فصل: تفسير المفردات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وخاصمت امرأة إلى شريح في المتعة فقال: متعها إن كنت من المتقين ولم يجبره، وعن سعيد بن جبير المتعة حق مفروض، وعن الحسن لكل مطلقة متعة إلا المختلعة والملاعنة، والمتعة درع وحمار وملحفة على حسب السعة والإقتار إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك فيجب لها الأقل منهما ولا ينقص من خمسة دراهم لأن أقل المهر عشرة دراهم فلا ينقص من نصفها كذا في الكشاف، وتمام الكلام في الفروع، والفعل مجزوم على أنه جواب الأمر وكذا قوله تعالى: {وَأُسَرّحْكُنَّ} وجوز أن يكون الجزم على أنه جواب الشرط ويكون {فَتَعَالَيْنَ} اعتراضًا بين الشرط وجزائه، والجملة الاعتراضية قد تقترن بالفاء كما في قوله:
واعلم فعلم المرء ينفعه ** أن سوف يأتي كل ما قدرا

وقرأ حميد الخراز {أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ} بالرفع على الاستئناف، وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {أُمَتّعْكُنَّ} بالتخفيف من أمتع، والتسريح في الأصل مطلق الإرسال ثم كني به عن الطلاق أي وأطلقكن {سَرَاحًا} أي طلاقًا {جَميلًا} أي ذا حسن كثير بأن يكون سنيًا لا ضرار فيه كما في الطلاق البدعي المعروف عند الفقهاء.
وفي مجمع البيان تفسير السراح الجميل بالطلاق الخالي عن الخصومة والمشاجرة، وكان الظاهر تأخير التمتيع عن التسريح لما أنه مسبب عنه إلا أنه قدم عليه إيناسًا لهن وقطعًا لمعاذيرهن من أول الأمر، وهو نظير قوله تعالى: {عَفَا الله عَنكَ لمَ أَذنتَ لَهُمْ} [التوبة: 3 4] مروجه ولأنه مناسب لما قبله من الدنيا: وجوز أن يكون في محله بناءً على أن إرادة الدنيا بمنزلة الطلاق والسراح الإخراج من البيوت فكأنه قيل: إن أردتن الدنيا وطلقتن فتعالين أعطكن المتعة وأخرجكن من البيوت إخراجًا جميلًا بلا مشاجرة ولا إيذاء، ولا يخفى بعده وسبب نزول الآية على ما قيل: إن أزواجه عليه الصلاة والسلام سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة.
وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر قال: أقبل أبو بكر رضي الله تعالى عنه والناس ببابه جلوس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر: لأكلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يضحك فقال: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد يعني امرأته رضي الله تعالى عنه سألتني النفقة آنفًا فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بد ناجذه وقال: هن حولي سألنني النفقة فقام أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى عائشة ليضربها وقام عمر رضي الله تعالى عنه إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نساؤه: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده.
وأنزل الله تعالى الخيار فبدأ بعائشة فقال عليه الصلاة والسلام: إني ذاكر لك أمرًا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت: ما هو؟ فتلا عليها {قَديرًا يا أيها النبى قُل لازواجك} الآية قالت عائشة: أفيك أستأمر أبوي؟ بل اختار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله تعالى لم يبعثني متعنتًا ولكن بعثني معلمًا مبشرًا لا تسألني امرأة منهن عما أخبرتني إلا أخبرتها، وفي خبر رواه ابن جرير.
وابن أبي حاتم عن قتادة والحسن أنه لما نزلت آية التخيير كان تحته عليه الصلاة والسلام تسع نسوة خمس من قريش: عائشة وحفصة وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية وكان تحته صفية بنت حي الخيبرية وميمونة بنت الحرث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحرث من بني المصطلق وبدأ بعائشة فلما اختارت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والدار الآخرة رؤى الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتتابعن كلهن على ذلك فلما خيرهن واخترن الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام والدار الآخرة شكرهن الله جل شأنه على ذلك إذ قال سبحانه: {لاَّ يَحلُّ لَكَ النساء من بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بهنَّ منْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب: 25] فقصره الله تعالى عليهن وهن التسع اللاتي اخترن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن سعد عن عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم خير نساءه فاخترن جميعًا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام غير العامرية اختارت قومها فكانت بعد تقول: أنا الشقية وكانت تلقط البعر وتبيعه وتستأذن على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: أنا الشقية.
وأخرج أيضًا عن ابن جناح قال: اخترنه جميعًا غير العامرية كانت ذاهبة العقل حتى ماتت.
وجاء في بعض الروايات عن ابن جبير غير الحميرية وهي العامرية، وكان هذا التخيير كما روي عن عائشة وأبي جعفر بعد أن هجرهن عليه الصلاة والسلام شهرًا تسعة وعشرين يومًا.
وفي البحر أنه لما نصر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ورد عنه الأحزاب وفتح عليه النضير وقريظة ظن أزواجه عليه الصلاة والسلام أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم فقعدن حوله وقلن: يا رسول الله بنات كسرى وقيصر في الحلى والحلل والإماء والخول ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق وآلمن قلبه الشريف عليه الصلاة والسلام بمطالبتهن له بتوسعة الحال وأن يعاملهن بما تعامل به الملوك وأبناء الدنيا أزواجهم فأمره الله تعالى بأن يتلو عليهن ما نزل في أمرهن؛ وما أحسن موقع هذه الآيات على هذا بعد انتهاء قصة الأحزاب وبني قريظة كما لا يخفى، ويفهم من كلام الإمام أنها متعلقة بأول السورة؛ وذلك أن مكارم الأخلاق منحصرة في شيئين التعظيم لأمر الله تعالى والشفقة على خلقه عز وجل فبدأ سبحانه بإرشاد حبيبه عليه الصلاة والسلام إلى ما يتعلق بجانب التعظيم له تعالى فقال سبحانه: {مُّنتَظرُونَ يا أيها النبى اتق الله} [الأحزاب: 1] الخ ثم أرشده سبحانه إلى ما يتعلق بجانب الشفقة، وبدأ بالزوجات لأنهن أولى الناس بذلك، وقدم سبحانه الشرطية المذكورة على قوله تعالى: {وَإن كُنتُنَّ تُردْنَ الله وَرَسُولَهُ} الخ لأن سبب النزول ما سمعت.
وقال الإمام: إن التقديم إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم غير ملتفت إلى الدنيا ولذاتها غاية الالتفات، وذكر أن في وصف السراح بالجميل إشارة إلى ذلك أيضًا، ومعنى {إن كُنتُنَّ تُردْنَ الله وَرَسُولُهُ} إن كنتن تردن رسول الله وإنما ذكر الله عز وجل للإيذان بجلالة محله عليه الصلاة والسلام عنده تعالى: {والدار الآخرة} أي نعيمها الباقي الذي لا قدر عنده للدنيا وما فيها {فَإنَّ الله أَعَدَّ} أي هيأ ويسر {للمحسنات منكُنَّ} بمقابلة إحسانهن {أَجْرًا} لا تحصى كثرته {عَظيمًا} لا تستقصى عظمته، و{منْ} للتبيين لأن كلهن كن محسنات.
وقيل: ويجوز فيه التبعيض على أن المحسنات المختارات لله ورسوله صلى الله عليه وسلم واختيار الجميع لم يعلم وقت النزول، وهو على ما قال الخفاجي عليه الرحمة بعيد، وجواب {إن} في الظاهر ما قرن بالفاء إلا أنه قيل الماضي فيه بمعنى المضارع الدال على الاستقبال والتعبير به دونه لتحقق الوقوع، وقيل: الجواب محذوف نحو تثبن أو تنلن خيرًا وما ذكر دليله، وتجريد الشرطية الأولى عن الوعيد للمبالغة في تحقيق معنى التخيير والاحتراز عن شائبة الإكراه، قيل: وهو السر في تقديم التمتيع على التسريح ووصف التسريح بالجميل.
هذا واختلف فيما وقع من التخيير هل كان تفويض الطلاق إليهن حتى يقع الطلاق بنفس الاختيار أولًا فذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم على ما في إرشاد العقل السليم وهو الظاهر إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق وإنما كان تخييرًا لهن بين الإرادتين على أنهن إن أردن الدنيا فارقهن النبي صلى الله عليه وسلم كما ينبىء عنه قوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ} [الأحزاب: 8 2] وذهب آخرون إلى أنه كان تفويضًا للطلاق إليهن حتى لو أنهن اخترن أنفسهن كان ذلك طلاقًا، وكذا اختلف في حكم التخيير بأن يقول الرجل لزوجته اختاري فتقول اخترت نفسي أو اختاري نفسك فتقول اخترت فعن زيد بن ثابت أنه يقع الطلاق الثلاث وبه أخذ مالك في المدخول بها وفي غيرها يقبل من الزوج دعوى الواحدة، وعن عمر وابن عباس وابن مسعود أنه يقع واحدة رجعية وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان وبه أخذ الشافعي وأحمد وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه يقع واحدة بائنة، وروى ذلك الترمذي عن ابن مسعود، وأيضًا عن عمر رضي الله تعالى عنهما، وبذلك أخذ أبو حنيفة عليه الرحمة، فإن اختارت زوجها فعن زيد بن ثابت أنه تقع طلقة واحدة وعن علي كرم الله تعالى وجهه روايتان إحداهما أنه تقع واحدة رجعية والأخرى أنه لا يقع شيء أصلًا وعليه فقهاء الأمصار.
وذكر الطبرسي أن المروي عن أئمة أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم أجمعين اختصاص التخيير بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما غيره عليه الصلاة والسلام فلا يصح له ذلك.
واختلف في مدة ملك الزوجة الاختيار إذا قال لها الزوج ذلك فقيل: تملكه ما دامت في المجلس وروي هذا عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم وبه قال جابر بن عبد الله وجابر بن زيد وعطاء ومجاهد والشعبي والنخعي ومالك وسفيان والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور، وقيل: تملكه في المجلس وفي غيره وهو قول الزهري وقتادة وأبي عبيدة وابن نصر وحكاه صاحب المغني عن علي كرم الله تعالى وجهه.
وفي بلاغات محمد بن الحسن أنه كرم الله تعالى وجهه قائل بالاقتصار على المجلس كقول الجماعة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وتمام الكلام في هذه المسألة وما لكل من هذه الأقوال وما عليه يطلب من كتب الفروع كشروح الهداية وما يتعلق بها بيد أني أقول: كون ما في الآية هو المسألة المذكورة في الفروع التي وقع الاختلاف فيها مما لا يكاد يتسنى، وتأول الخفاجي استدلال من استدل بها في هذا المقام بما لا يخلو عن كلام عند ذوي الأفهام.
هذا وذكر الإمام في الكلام على تفسير هذه الآية عدة مسائل.
الأولى: أن التخيير منه صلى الله عليه وسلم قولًا كان واجبًا عليه عليه الصلاة والسلام بلا شك لأنه إبلاغ الرسالة، وأما معنى فكذلك على القول بأن الأمر للوجوب.
الثانية: أنه لو أردن كلهن أو إحداهن الدنيا فالظاهر نظرًا إلى منصب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجب عليه التمتيع والتسريح لأن الخلف في الوعد منه عليه الصلاة والسلام غير جائز.
الثالثة: أن الظاهر أنه لا تحرم المختارة بعد البينونة على غيره عليه الصلاة والسلام وإلا لا يكون التخيير ممكنًا من التمتع بزينة الدنيا.
الرابعة: أن الظاهر أن من اختارت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم نظرًا إلى منصبه الشريف طلاقها والله تعالى أعلم.
{يَا نسَاء النبى} تلوين للخطاب وتوجيه له إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن ونداؤهن هاهنا وفيما بعد بالإضافة إليه عليه الصلاة والسلام لأنها التي يدور عليها ما يرد عليهن من الأحكام، واعتبار كونهن نساء في الموضعين أبلغ من اعتبار كونهن أزواجًا كما لا يخفى على المتأمل {مَن يَأْت} بالياء التحتية حملًا على لفظ {منْ} وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والجحدري وعمرو بن قائد الأسواري ويعقوب بالتاء الفوقية حملًا على معناها {منكُنَّ بفاحشة} بكبيرة {مُّبَيّنَةٍ} ظاهرة القبح من بين بمعنى تبين، وقرأ ابن كثير وأبو بكر {مبينة} بفتح الياء والمراد بها على ما قيل: كل ما يقترف من الكبائر، وأخرج البيهقي في السنن عن مقاتل بن سليمان أنها العصيان للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: ذلك وطلبهن ما يشق عليه عليه الصلاة والسلام أو ما يضيق به ذرعه ويغتم صلى الله عليه وسلم لأجله.
ومنع في البحر أن يراد بها الزنا قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من ارتكاب نسائه ذلك ولأنه وصفت الفاحشة بالتبين والزنا مما يتستر به ومقتضاه منع إرادة الأعم ثم قال: وينبغي أن تحمل الفاحشة على عقوق الزوج وفساد عشرته، ولا يخلو كلامه عن بحث والإمام فسرها به، وجعل الشرطية من قبيل {لَئنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] من حيث أن ذلك ممكن الوقوع في أول النظر ولا يقع جزمًا فإن الأنبياء صان الله تعالى زوجاتهم عن ذلك، وقد تقدم بعض الكلام في هذه المسألة في سورة النور وسيأتي إن شاء الله تعالى طرف مما يتعلق بهما أيضًا {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب} يوم القيامة على ما روي عن مقاتل أو فيه، وفي الدنيا على ما روي عن قتادة {ضعْفَيْن} أي يعذبن ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه فإن مكث غيرهن ممن أتى بفاحشة مبينة في النار يومًا مثلًا مكثن هن لو أتين بمثل ما أتى يومين، وإن وجب على غيرهن حد لفاحشة وجب عليهن لو أتين بمثلها حدان، وقال أبو عمرو وأبو عبيدة فيما حكى الطبري عنهما الضعفان أن يجعل الواحدة ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود أو ثلاثة أمثال عذاب غيرهن، وليس بذاك، وسبب تضعيف العذاب أن الذنب منهن أقبح فإن زيادة قبحه تابعة لزيادة فضل المذنب والنعمة عليه وتلك ظاهرة فيهن ولذلك جعل حد الحر ضعف حد الرقيق وعوتب الأنبياء عليهم السلام بما لا يعاتب به الأمم وكذا حال العالم بالنسبة إلى الجاهل فليس من يعلم كمن لا يعلم، وروي عن زين العابدين رضي الله تعالى عنه أنه قال له رجل: إنكم أهل بيت مغفور لكم فغضب وقال: نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله تعالى في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أن نكون كما تقول إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئتنا ضعفين من العذاب وقرأ هذه الآية والتي تليها، وقرأ الحسن وعيسى وأبو عمرو {يضاعف} بالياء التحتية مبنيًا للمفعول بلا ألف والجحدري وابن كثير وابن عامر {نضعف} بالنون مبنيًا للفاعل بلا ألف أيضًا وزيد بن علي وابن محيصن وخارجة عن أبي عمرو {نضاعف} بالنون والألف والبناء للفاعل وفرقة {والله يضاعف} بالياء والألف والبناء للفاعل، وقرأ: {العذاب} بالرفع من قرأ بالبناء للمفعول وبالنصب من قرأ بالبناء للفاعل {وَكَانَ ذلك} أي تضعيف العذاب عليهن {عَلَى الله يَسيرًا} أي سهلًا لا يمنعه جل شأنه عنه كونهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم بل هو سبب له. اهـ.

.قال المراغي:

{يا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْواجكَ إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزينَتَها فَتَعالَيْنَ}.

.تفسير المفردات:

زينة الدنيا: زخرفها ونعيمها، فتعالين: أي أقبلن باختياركن واخترن أحد الأمرين، أمتعكن: أي أعطكن المتعة، وهى قميص وغطاء للرأس وملحفة- ملاءة- بحسب السعة والإقتار، وأسرحكن: أي أطلقكن، سراحا جميلا: أي طلافا من غير ضرار ولا مخاصمة ولا مشاجرة، بفاحشة: أي فعلة قبيحة كنشوز وسوء خلق واختيار الحياة الدنيا وزينتها على اللّه ورسوله، مبينة: أي ظاهرة القبح من قولهم: بيّن كذا بمعنى ظهر وتبين، ضعفين: أي ضعفى عذاب غيرهن أي مثليه، يسيرا: أي هيّنا لا يمنعه عنه كونهن نساء النبي، بل هذا سبب له.

.المعنى الجملي:

بعد أن نصر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم، فردّ عنه الأحزاب، وفتح عليه قريظة والنضير، ظن أزواجه رضى اللّه عنهن أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم فقعدن حوله وقلن يا رسول اللّه: بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل، والإماء والخول- الخدم والحشم- ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق، وآلمن قلبه الشريف بمطالبهن من توسعة الحال ومعاملتهن معاملة نساء الملوك وأبناء الدنيا من التمتع بزخرفها من المأكل والمشرب ونحو ذلك فأمره اللّه تعالى أن يتلو عليهن ما نزل في شأنهن: روى أحمد عن جابر رضى اللّه عنه قال: أقبل أبو بكر رضى اللّه عنه يستأذن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والناس ببابه جلوس، والنبي صلى اللّه عليه وسلم جالس فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر رضى اللّه عنه فاستأذن فلم يؤذن له، ثم أذن لأبى بكر وعمر رضى اللّه عنهما فدخلا، والنبي صلى اللّه عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت، فقال عمر لأكلمنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم لعله يضحك، قال: يا رسول اللّه! لو رأيت ابنة زيد- امرأة عمر- سألتنى النفقة آنفا فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: «هنّ حولى يسألننى النفقة» فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصة، كلاهما يقول: تسألان النبي صلى اللّه عليه وسلم ما ليس عنده، فنهاهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلن: واللّه لا نسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده، وأنزل اللّه عز وجل الخيار، فبدأ بعائشة رضى اللّه عنها فقال لها إنى أذكر لك أمرا ما أحب أن تعجلى فيه حتى تستأمرى أبويك، قالت وما هو؟ فتلا عليها: {يا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْواجكَ} الآية. قالت عائشة رضى اللّه عنها: أفيك أستأمر أبوىّ؟ بل أختار اللّه تعالى ورسوله، وأسألك ألا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت، فقال صلى اللّه عليه وسلم: «إن اللّه تعالى لم يبعثنى معنّفا ولكن بعثني معلّما ميسرا، لا تسألنى امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها» رواه مسلم والنسائي.
ثم وعظهن بعد أن اخترن اللّه ورسوله والدار الآخرة وخصهن بأحكام يجدر بمثلهن أن يستمسكن بها لما لهنّ من مركز ممتاز بين نساء المسلمين، لأنهن أمهات المؤمنين، وموضع التجلّة والكرامة، إلى أنهن في بيت صاحب الدعوة الإسلامية، ومنه انبعث نور الهدى والطهر والعفاف، فأجدر بهن أن يكنّ المثل العليا في ذلك، ويكنّ قدوة يأتسى بهن نساء المؤمنين جميعا، ويا لها منقبة أوتيت لهن دون سعى ولا إيجاف منهن، بل هي منحة أكرمهن اللّه بها، فله الحمد في الآخرة والأولى.